الأحد، 23 ديسمبر 2018

تعليق على بعض أقوال النكرات من أهل التعصب والجمود المذهبي.

تعليق على بعض أقوال النكرات من أهل التعصب والجمود المذهبي.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فإني رأيت بعض تغريدات لبعض النكرات ممن نصَّب نفسه لمحاكمة الفقهاء، والتطفل على موائد العلماء والفضلاء، بذكره لبعض التعييرات التي لا يذكرها من له أدنى ذرة من علم وأدب وخلق، فضلاً عن ادعاءه أنه (طالب علم)!! زعموا.

وأي علم هذا الذي يحمل صاحبه على أن ينبز طريقة أهل الحديث بالفقه ب(التشوه الفقهي!!)، وهذه -والله- حيلة العاجز، وبلغة الناقد، فما أراد بذلك نصحاً ولا توجيهاً، بل خرجت تلك العبارات جراء تعصب وجمود عقلي جرّ صاحبه إلى هذه الطامات والويلات، التي جرأته على علماء مضوا وفضلاء بقوا، غاية ذنبهم أنهم بدأوا بدراسة الفقه كما درسه السلف الصالح!!

فما ضر أولئك القوم أن يجمع الطالب بين علم الحديث وبين الفقه؟

وما ضرهم أن يبتدأ بكتاب (اللباب في فقه السنة والكتاب)؟

ما ضرهم أن يبدأ الطالب بفقه *السنة والكتاب؟*

زعموا أن ذلك مما يجرأ الطالب على توهيم العلماء!، وترجيح الأقوال!، والغوص في الخلاف! والشذوذ والنكارة في الفتوى!

هل يستوي من يدرس (قال رسول الله) وبين من يدرس (قال فلان وفلان) من أصحاب المتون المذهبية؟

الحقيقة أن حقيقة مذهب أهل الحديث تؤلمهم، وتلسعهم، وتقض مضاجعهم! ذلك أن مذهب أهل الحديث هو مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد، لا مذهب السادة الحنابلة، ومتأخري الشافعية، وأقوال المالكية!

فهل في هذا القول من طعن للعلماء؟ وغمز للنبلاء؟ لا -والله- ولا يزعم ذلك إلا ضعيف البصر، كليل النظر، قاصر الفقه، متسرع الحكم!

فهذه خاطرة مختصرة سريعة، أردت بها الذب عن مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد، والرد على من خالف أقوالهم في عدم التعصب لهم.

نسأل الله التوفيق والسلامة والحمد لله رب العالمين.

محمد عبيد الشحي
يوم السبت 
١٤ ربيع الآخر ١٤٤٠
٢٢ - ١٢ - ٢٠١٨

الأربعاء، 5 ديسمبر 2018

تلخيص كتيب (حكم لزوم الجماعة والآثار المترتبة عليها)



تلخيص كتيب (حكم لزوم الجماعة والآثار المترتبة عليها)
إعداد: د. غزيل بنت محمد دحيم الدوسري

الجماعة: هي الاجتماع وضدها الفرقة؛ وهي جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمر –عليه الصلاة والسلام- بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه.

حكم لزوم الجماعة: واجب وأصل من أصول أهل السنة والجماعة، دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ديانة لله –عز وجل- واحتساباً للثواب عند الله –تعالى-، ويحرم الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم لأي سبب من الأسباب.

أسباب ووسائل الاجتماع:

أولاً: تصحيح العقيدة، بحيث تكون سليمة من الشرك، لأن العقيدة الصحيحة هي التي تؤلف بين القلوب، وتزيل الأحقاد، بخلاف ما إذا تعددت العقائد، وتنوعت المعبودات؛ فإن أصحاب كل عقيدة يتحيزون لعقيدتهم ومعبوداتهم، ويرون بطلان ما عليه غيرهم.

ثانياً: السمع والطاعة لولي أمر المسلمين.

ثالثاً: الرجوع إلى الكتاب والسنة لحسم النزاع، وإنهاء الاختلاف.

رابعاً: القيام بإصلاح ذات البين عندما يدب نزاع بين الأفراد، أو بين القبائل.

خامساً: قتال البغاة والخوارج، الذين يريدون أن يفرقوا كلمة المسلمين؛ إذا كانوا أهل شوكة وقوة تهدد المجتمع المسلم، وتفسد أمنه.

سادساً: الرجوع في النوازل والفتن لأهل العلم الراسخين المعروفين بسلامة المنهج وحسن الديانة والأمانة ويجتنب في النوازل المتعالمين من القصاصين المتصدرين بلا علم ولا بصيرة.

سابعاً: نشر الوعي بين الناس وتفقيههم في الدين والتركيز على التوحيد دعوة الأنبياء والرسل.

ثامناً: تحذير الناس من دعاة الشر والفتنة أصحاب الأفكار الهدامة المتصدرين في القنوات وعبر الإنترنت وغيره، وبيان حالهم بكل وضوح وشفافية ليحذرهم الناس بعامة والشباب بخاصة.

الآثار المترتبة على لزوم الجماعة:

أولاً: رعاية الله –عز وجل- للجماعة، وحفظه لها.

ثانياً: العصمة من الضلال.

ثالثاً: تطهير القلوب من الغل.

رابعاً: الانتفاع بدعواتهم.

خامساً: استباب الأمن وحصول الرخاء الاجتماعي والاقتصادي.

سادساً: الحفاظ على الهوية الإسلامية.

الأسباب المؤدية إلى مفارقة الجماعة والآثار المترتبة على ذلك:

1- الاجتماعات السرية.

2- التحزب.

3- مخالفة الشرع في طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4- اتباع الهوى: وهو ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات.

5- التواني في القضاء على بذور الخوارج.

6- إساءة الظن بولاة الأمر من المسلمين.

7- سب الولاة، وغيبتهم، وغشهم، والطعن فيهم، والتشهير بهم.

8- توزيع الأشرطة الخبيثة لدعاة الفتنة.

الآثار المترتبة على مفارقة الجماعة: فإن المتأمل فيما رتبه الشارع من عقوبة دينية ودنيوية على من فارق جماعة المسلمين وخرج على إمامهم؛ ليدرك أن مفاسد هذا الخروج عظيمة، وآثاره خطيرة، أيا كان قصد الخارج.

ومن تلك المفاسد:

1- استبدال الأمن بالخوف.

2- استبدال الشبع بالجوع.

3- إراقة الدماء.

4- هتك الأعراض.

5- نهب الأموال.

6- قطع السبيل.

7- تسلط السفهاء.

8- انتشار الجهل ونقص العلم.

9- ضعف الدين وغربته.

النتائج المستمدة من النصوص الواردة في ثناياه:

1- التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة أمان من الزيغ والضلال.

2- الالتفاف حول العلماء الكبار الربانيين المعروفين بسلامة المنهج، والبعد والحذر من المشبوهين والمفسدين.

3- التلاحم مع ولاة الأمر بالسمع والطاعة لهم بالمعروف، وأداء ما أوجبه الله –تعالى- علينا لهم من حقوق.

4- شكر النعمة والتحدث بها.

5- الأخذ على أيدي السفهاء، والتعاون مع ولاة الأمر على ذلك.

6- التحذير من دعاة الفتنة بكل شفافية ووضوح.

7- نشر العلم وتلقيه من العلماء الربانيين المعروفين بالعلم وحسن الديانة وسلامة المنهج.

8- عقد الندوات والمؤتمرات والدروس وتكثيفها في المدارس والجامعات وفي جميع المناسبات لبيان هذا الأصل العظيم من أصول أهل السنة والجماعة.


تلخيص: أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الشحي



السبت، 8 سبتمبر 2018

تلخيص مقاصد شرح الآجرومية للشيخ سليمان العيوني



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فإن متن الآجرومية عبارة عن قواعد نحوية أساسية وتأصيلية منثورة تحت أبواب مرتبة ليسهل تعلمها وتصورها لطالب العلم، "فالأصول النحوية قواعد تستطيع أن تبني عليها"([1])، ولما كانت هذه أهمية المتن كان لزاماً على طالب العلم أن يعتني بالشروحات التي تبين وتوضح هذه القواعد بتأصيل وضبط وتيسير ليسهل تصورها والقياس والبناء عليها، ولما كانت شروح هذا المتن متنوعة بين مختصرٍ ومتوسط عزمت على تلخيص مقاصد أهم الشروحات لهذا المتن المبارك وغيره من المتون، وذلك بإثبات المقاصد وصلب الموضوع والإعراض عن الحشو والتكرار والفوائد الجانبية، وكان من ضمن تلك الشروحات المباركة شرح الشيخ سليمان العيوني –وفقه الله-، والشيخ له العديد من الشروحات الصوتية لهذا المتن وكان أهمها الذي ألقاه في جامع البواردي في الرياض سنة 1436هـ الذي قام بتفريغه (أكاديمية نحو) في 174 صفحة، لذلك اعتمدت على هذا التفريع كأصل لتلخيص شرح هذا المتن، واللهَ أسأل أن يوفقني وكل طالبٍ للعلم وأن يفقهنا في دينه وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.




[1])) تفريغ شرح الآجرومية للعيوني: ص70.


اضغط هنا للتحميل




الأربعاء، 9 مايو 2018

(خاطرة): القنبلة الموقوتة لطالب العلم!



(خاطرة): القنبلة الموقوتة لطالب العلم!


ما رأيت أضر للإنسان العادي –فضًلا عن طالب العلم- من الفراغ، فهو –والله- سمٌ قاتلٌ، وقنبلةٌ موقوتةٌ، تُفجِّر الوقتَ، وتهدرُ العمر في غير فائدة دينٍ ولا دنيا! وإني –والله- لأعجب ممن أضاع عمره، ونفيس أوقاته وساعاته في ما يسمى بـ(وقت الفراغ)! فيقول: إني انتهيت من شغلي ومقرري وحان وقت فسحتي وفراغي! وهذا إن لم يضبط ويُكبح بميزانٍ متزنٍ فسيزلزل بالأوقات زلزلةً عظيمة، وذلك لأن الساعة أخت الدقيقة والدقيقة أخت الثانية، فيرى اليوم فراغًا قليلًا، وغدًا يمتلئ فراغً كثيرًا، لذلك فإن هذا الأمر خطير مصيره إن لم يوزن بسبيل قويم، وطريق صحيح، فالمعاصي تدخل للإنسان من هذا الباب، والشيطان له خمسون ألف باب! يدخل للإنسان في باب العبادة فيوقعه في المباح ويجره للمكروه ويوقعه في المحرم –نسأل الله العافية-، لذلك أدعو نفسي –المقصرة أولًا- وإياكم، إلى اغتنام الأوقات وعدم هدرها وسكبها في الملهيات المميتات، واعلم أن (وقت الفراغ) يختلف عن ما نسميه بـ(وقت الترويحة)، وإن كان لا فرق بينها عند جملةٍ من الناس (فلا مشاحة في الاصطلاح)، والفرق بينهما هو: أن  (وقت الفراغ) يكون في فراغ لا في شغل دينٍ ولا دنيا، بل في المباح والملهيات، وأما (وقت الترويحة) فهو من الراحة بعد التعب، وتلطيف الجو بعد الكلل، فكثرة القراءة والجلوس تجلب الملل والسآمة لذلك وضع له (وقتًا للترويحة) يريح نفسه بقراءة كتب الآداب والأشعار، ولطيف الألغاز والأخبار، وجميل العبر والأسفار، وخير ما يُقضى في (وقت الترويحة) –برأيي وحسب تجربتي- ترتيب المكتبة، وتصفح الكتب ومطالعة مقدماتها وفهارسها، أو استخراج الفوائد وكتابتها وترتيبها، أو زيارة المكتبات لشراء جديد الإصدارات، فيبقى طالب العلم في دائرة العلم لا يخرج عنها، فما أن يُنهي وقت ترويحته إلا ويسرع في شغله بهمةٍ ونشاط، ونهمةٍ وشهوة! وما ذاك إلا وأنه نشَّط نفسه في ما يُعينه على التقوي لطالب العلم وإن لم يكن من صلب العلم، والتجربة الشخصية لا تعمم على الجميع وإنما هي أمر نسبي تناسب شخصًا دون آخر، والسلام.


هذا وإني أسأل الله أن يغفر لي ولك –أيها القارئ الكريم-

فهذه خاطرة لطيفة صغيرة مفيدة أحببت أن أكتبها

بعد أن رأيت البلوى قد عمت بها ولا أبرئ

نفسي وأسأل الله أن يغفر لي

زللي والله المستعان


الثلاثاء

22 من شعبان 1439

2018-05-08




الاثنين، 7 مايو 2018

شرح السنة للمزني مشكول



شَرْحُ السُّنَّةِ

الإِمَام أَبِي إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيلِ بنِ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيلِ المُزَنِي (264هـ)

عَصَمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم بِالتَّقْوَى، وَوَفَقَنَا وَإِيَّاكُم لِمُوَافَقَةِ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَكَ سَأَلْتَنَي أَنْ أُوَضِّحَ لَكَ مِنَ السُّنَّةِ أَمْرًا تُصَبِّرُ نَفْسَكَ عَلَى التَّمَسُكِ بِهِ، وَتَدْرَأُ بِهَا عَنكَ شُبَهَ الأَقَاوِيلِ، وَزَيغَ مُحْدَثَاتِ الضَالِّينَ، وَقَدْ شَرَحْتُ لَكَ مِنْهَاجًا مُوَضَحًا، لَم آلُ نَفْسِي وَإِيَّاكَ فِيهِ نُصْحًا، بَدَأْتُ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ ذِي الرُّشْدِ وَالتَّسْدِيدِ.
الحَمْدُ للهِ أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ، وَأَولَى مَنْ شُكِرَ، وَعَلِيهِ أُثْنِي: الوَاحِدُ الصَّمَد، لَيسَ لَهُ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَد، جَلَّ عَنِ المَثِيلِ، فَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا عَدِيل، السَّمِيعُ البَصِير، العَلِيمُ الخَبِير، المَنِيعُ الرَّفِيع.
عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ، وَهُوَ دَانٍ بِعِلْمِهِ مِنْ خَلقِهِ.
أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالأُمًورِ، وَأَنْفَذَ فِي خَلْقِهِ سَابِقَ المَقْدُورِ (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، فَالخَلقُ عَامِلُونَ بِسَابِقِ عِلمِهِ، وَنَافِذُونَ لِمَا خَلَقَهُم لَهُ مِنْ خَيرٍ وشَرٍ، لَا يَملِكُونَ لأَنْفُسِهِم مِنَ الطَاعَةِ نَفْعًا، وَلَا يَجِدُونَ إِلَى صَرْفِ المَعْصِيَةِ عَنْهَا دَفْعًا.
خَلَقَ الخَلْقَ بِمَشِيئَتِهِ عَن غَيرِ حَاجَةٍ كَانتْ بِهِ، وَخَلَقَ المَلَائِكَةَ جَمِيعًا لِطَاعَتِهِ، وَجَبَلَهُم عَلَى عِبَادَتِهِ، فَمِنْهُم مَلَائِكَةٌ بِقُدرَتِهِ لِلعَرشِ حَامِلُونَ، وَطَائِفَةٌ مِنهُم حَولَ عَرشِهِ يُسَبِّحُونَ، وَآخَرُونَ بِحَمْدِهِ يُقَدِّسُونَ، وَاصْطَفَى مِنهُم رُسُلًا إِلَى رُسُلِهِ، وَبَعضٌ مُدَبِّرُونَ لِأَمرِهِ.
ثُمَّ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لِلأَرْضِ خَلَقَهُ، وَنَهَاهُ عَنْ شَجَرَةٍ قَدْ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عَلَيهِ بِأَكْلِهَا، ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْهَا، ثُمَّ سَلَّطَ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ فَأَغْوَاهُ عَلَيْهَا، وَجَعَلَ أَكْلَهُ لَهَا إِلَى الأَرْضِ سَبَبًا، فَمَا وَجَدَ إِلَى تَرْكِ أَكْلِهَا سَبِيْلًا، وَلَا عَنْهُ لَهَا مَذْهَبًا.
ثُمَّ خَلَقَ لِلجَنَّةِ مِنْ ذُريَّتِهِ أَهْلًا، فَهُمْ بِأَعْمَالِهَا بِمَشِيئَتِهِ عَامِلُونَ، وَبِقُدْرَتِهِ وَبِإِرَادَتِهِ يَنْفُذُونَ، وَخَلَقَ مِنْ ذُرِيَّتِهِ لِلنَّارِ أَهْلًا، فَخَلَقَ لَهُمْ أَعْيُنًا لَا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَآذَانًا لَا يَسْمَعُونَ بِهَا، وَقُلُوبًا لَا يَفْقَهُونَ بِهَا، فَهُمْ بِذَلِكَ عَنِ الهُدَى مَحْجُوبُونَ، وَبِأَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ بِسَابِقِ قَدَرِهِ يَعْمَلُونَ.
وَالإِيمَانُ قَولٌ وَعَمَلٌ، وَهُمَا سِيَانِ وَنِظَامَانِ وَقَرِينَانِ لَا نُفَرِّقُ بَينَهُمَا، لَا إِيْمَانَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِإِيمَانٍ، وَالمُؤمِنُونَ فِي الإِيمَانِ يَتَفَاضَلُونَ، وَبِصَالِحِ الأَعْمَالِ هُمْ مُتَزَايِدُونَ، وَلَا يَخْرُجُونَ بِالذُّنُوبِ مِنَ الإِيمَانِ، وَلَا يَكْفُرُونَ بِرُكُوبِ كَبِيْرَةٍ وَلَا عِصْيَانٍ، وَلَا نُوجِبُ لِمُحْسِنِهِمْ الجِنَانَ بَعْدَ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ النَّبِيُّ ، وَلَا نَشْهَدُ عَلَى مُسِيئِهِمْ بِالنَّارِ.
وَالقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ U، وَمِنْ لَدُنْهُ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَيَبِيْدُ.
وَكَلِمَاتُ اللهِ وَقُدْرَةُ اللهِ وَنَعْتُهُ وَصِفَاتُهُ كَامِلَاتٌ غَيْرُ مَخْلُوقَاتٍ، دَائِمَاتٌ أَزَلِيَّاتٌ، وَلَيْسَتْ بِمُحْدَثَاتٍ فَتَبِيدُ، وَلَا كَانَ رَبُنَا نَاقِصًا فَيَزِيدُ، جَلَّتْ صِفَاتُهُ عَنْ شَبْهِ صِفَاتِ المَخْلُوقِيْنَ، وَقَصَرَتْ عَنْهُ فِطَنُ الوَاصِفِينَ، قَرِيْبٌ بِالإِجَابَةِ عِنْدَ السُّؤَالِ، بَعِيْدٌ بِالتَّعَزُّزِ لَا يُنَال، عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مَوْجُوْدٌ وَلَيْسَ بِمَعْدُوْمٍ وَلَا بِمَفْقُودٍ.
وَالخَلْقُ مَيِّتُونَ بِآجَالِهِمْ عِنْدَ نَفَادِ أَرْزَاقِهِمْ وَانْقِطَاعِ آثَارِهِمْ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ الضَّغْطَةِ فِي القُبُوْرِ مُسَاءَلُوْنَ، وَبَعْدَ البِلَى مَنْشُوْرُوْنَ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى رَبِّهِمْ مَحْشُوْرُوْنَ، وَلَدَى العَرْضِ عَلَيْهِ مُحَاسَبُوْنَ، بِحَضْرَةِ المَوَازِيْنِ وَنَشْرِ صُحُفِ الدَّوَاوِيْنِ، أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوْهُ، (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج:4]، لَوْ كَانَ غَيْرُ اللهِ U الحَاكِمَ بَيْنَ خَلْقِهِ، لَكِنَّهُ اللهُ يَلِي الحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِعَدْلِهِ بِمِقْدَارِ القَائِلَةِ فِي الدُّنْيَا (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [الأنعام:62]، كَمَا بَدَأهُ لَهُمْ مِنْ شَقَاوَةٍ وَسَعَادَةٍ يَوْمَئِذٍ يَعُوْدُوْنَ، (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7].
وَأَهْلُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ فِي الجَنَّةِ يَتَنَعَمُونَ، وَبِصُنُوْفِ اللذَّاتِ يَتَلَذَذُوْنَ، وَبِأَفْضَلِ الكَرَامَةِ يُحْبَرُونَ، فَهُمْ حِيْنَئِذٍ إِلَى رَبِهِمْ يَنْظُرُونَ، لَا يُمَارُوْنَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلَا يَشُكُوْنَ، فَوُجُوْهُهُمْ بِكَرَامَتِهِ نَاضِرَة، وَأَعْيُنُهُمْ بِفَضْلِهِ إِلَيْهِ نَاظِرَةٌ، فِي نَعِيْمٍ دَائِمٍ مُقِيْم (لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر:48]، (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) [الرعد:35].
وَأَهْلُ الجَحْدِ (عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15]، و(فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) [فصلت:72]، (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة:80]، (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) [فاطر:36].
خَلَا مَنْ شَاءَ اللهُ مِنَ المُوَحِّدِيْنَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْهَا.
وَالطَّاعَةُ لِأولِي الأَمْرِ فِيْمَا كَانَ عِنْدَ اللهِ U مَرْضِيًا، وَاجْتِنَابُ مَا كَانَ عِنْدَ اللهِ مُسْخِطًا، وَتَرْكُ الخُرُوجِ عِنْدَ تَعَدِّيْهِمْ وَجَوْرِهِمْ، وَالتَّوْبَةُ إِلَى اللهِ U كَيْمَا يَعْطِفَ بِهِمْ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ.
وَالإِمْسَاكُ عَنْ تَكْفِيْرِ أَهْلِ القِبْلَةِ، وَالبَرَاءَةِ مِنْهُمْ فِيْمَا أَحْدَثُوْهُ مَا لَمْ يَبْتَدِعُوْا ضَلَالًا، فَمَنْ ابْتَدَعَ مِنْهُمْ ضَلَالًا كَانَ عَلَى أَهْلِ القِبْلَةِ خَارِجًا، وَمِنَ الدِّيْنِ مَارِقًا، وَيُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ U بِالبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَيُهْجَرُ وَيُحْتَقَرُ، وَتُجَتَنَبُ غُدَّتُهُ؛ فَهِيَ أَعْدَى مِنْ غُدَّةِ الجَرَبِ.
وَيُقَالُ بِفَضْلِ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ t، فَهُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَأَخْيَرُهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ ، وَنُثَنِّي بَعْدَهُ بِالفَارُوْقِ وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ t، فَهُمَا وَزِيْرَا رَسُوْلِ اللهِ ، وَضَجِيْعَاهُ فِي قَبْرِهِ، وَنُثَلِّثُ بِذِي النُّوْرَيْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ t، ثُمَّ بِذِي الفَضْلِ والتُّقَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ y أَجْمَعِيْنَ.
ثُمَّ البَاقِيْنَ مِنَ العَشَرَةِ الذِّيْنَ أَوْجَبَ لَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ الجَنَّةَ، وَنُخْلِصُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنَ المَحَبَّةِ بِقَدْرِ الذَّي أَوْجَبَ لَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ مِنَ التَّفْضِيْلِ، ثُمَّ لِسَائِرِ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِمْ y أَجْمَعِيْنَ.
وَيُقَالُ بِفَضْلِهِمْ، وَيُذْكَرُوْنَ بِمَحَاسِنِ أَفْعَالِهِمْ، وَنُمْسِكُ عَنِ الخَوْضِ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، فَهُمْ خِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ بَعْدَ نَبِيٍّهِمْ، ارْتَضَاهُمْ اللهُ U لِنَبِيِّهِ، وَجَعَلَهُمْ أَنْصَارًا لِدِيْنِهِ، فَهُمْ أَئِمَّةُ الدِّيْنِ وَأَعْلَامُ المُسْلِمِيْنَ y أَجْمَعِيْنَ.
وَلَا نَتْرُكُ حُضُوْرَ الجُمُعَةِ، وَصَلَاتَهَا مَعَ بَرِّ هَذِهِ الأُمَّةِ وَفَاجِرِهَا لَازِمٌ، مَا كَانَ مِنَ البِدْعَةِ بَرِيْئًا، فَإِنِ ابْتَدَعَ ضَلَالًا فَلا صَلَاةَ خَلْفَهُ، وَالجِهَادُ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ عَدْلٍ أَوْ جَائِرٍ وَالحَجُّ.
وَإِقْصَارُ الصَّلَاةِ فِي الأَسْفَارِ، وَالتَّخْيِيْرُ فِيْهِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالإِفْطَارِ فِي الأَسْفَارِ، إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
هَذِهِ مَقَالَاتٌ وَأَفْعَالٌ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا المَاضُوْنَ الأَوَّلُوْنَ مِنْ أَئِمَّةِ الهُدَى، وَبِتَوْفِيْقِ اللهِ اعْتَصَمَ بِهَا التَّابِعُوْنَ قُدْوَةً وَرِضًا، وَجَانَبُوا التَّكَلُّفَ فِيْمَا كُفُوْا، فُسُدِّدُوْا بِعَوْنِ اللهِ وَوُفِّقُوْا، لَمْ يَرْغَبُوْا عَنِ الاتِّبَاعِ فَيُقَصِّرُوْا، وَلَمْ يُجَاوِزُوْهُ تَزَيُّدًا فَيَعْتَدُوْا، فَنَحْنُ بِاللهِ وَاثِقُوْنَ، وَعَلِيْهِ مُتَوَكِّلُوْنَ، وَإِلَيْهِ فِي اتِّبَاعِ آثَارِهِمْ رَاغِبُوْنَ.
فَهَذَا شَرْحُ السُّنَّةِ تَحَرَّيْتُ كَشْفَهَا وَأَوْضَحْتُهَا، فَمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ لِلقِيَامِ بِمَا أَبَنْتُهُ مَعَ مَعُوْنَتِهِ لَهُ بِالقِيَامِ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِهِ بِالاحْتِيَاطِ فِي النَّجَاسَاتِ، وَإِسْبَاغِ الطَّهَارَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَأَدَاءِ الصَّلَوَاتِ عَلَى الاسْتِطَاعَاتِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى أَهْلِ الجِدَاتِ، وَالحَجِّ عَلَى أَهْلِ الجِدَةِ وَالاسْتِطَاعَاتِ، وَصِيَامِ الشَّهْرِ لِأَهْلِ الصِّحَاتِ.
وَخَمْسُ صَلَوَاتٍ سَنَّهَا رَسُوْلُ اللهِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَوَاتِ: صَلَاةُ الوِتْرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَرَكْعَتِي الفَجْرِ، وَصَلَاةِ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَصَلَاةِ كُسُوْفِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا نَزَلَ، وَصَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ مَتَى وَجَبَ.
وَاجْتِنَابُ المَحَارِمِ، وَالاحْتِرَازُ مِنَ النَّمِيْمَةِ وَالكَذِبِ وَالغِيْبَةِ وَالبِغْي بِغَيْرِ الحَقِّ، وَأَنْ يُقَالَ عَلَى اللهِ مَا لَا يَعْلَمُ، كُلُّ هَذَا كَبَائِرُ مُحَرَّمَاتٌ.
وَالتَّحَرِّي فِي المَكَاسِبِ وَالمَطَاعِمِ وَالمَحَارِمِ وَالمَشَارِبِ وَالمَلَابِسِ، وَاجْتِنَابُ الشَّهَوَاتِ فَإِنَّهَا دَاعِيَةٌ لِرُكُوْبِ المُحَرَّمَاتِ، فَمَنْ رَعَى حَوْلَ الحِمَى فَإِنَّهُ يُوْشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الحِمَى.
فَمَنْ يُسِّرَ لِهَذِا فَإِنَّهُ مِنَ الدِّيْنِ عَلَى هُدَى، وَمِنْ الرَّحْمَةِ عَلَى رَجَا، وَوَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ إِلَى سَبِيْلِهِ الأَقْوَمْ، بِمَنِّهِ الجَزِيْلِ الأَقْدَمْ، وَجَلَالِهِ العَلِيِّ الأَكْرَمْ.
وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَيْنَا السَّلَامَ، وَلَا يَنَالُ سَلَامُ اللهِ الضَّالِّيْنَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.



متن صريح السنة للطبري مشكول



صَرِيحُ السُّنَّة

الإِمَام أَبِي جَعْفَر مُحَمْدُ بنُ جَرِير بنِ يَزِيد بنِ كَثِير الطَبَرِي (310هـ)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الدَّيْنَوَرِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ مُفْلِجِ الْحَقِّ وَنَاصِرِهِ، وَمُدْحِضِ الْبَاطِلِ وَمَاحِقِهِ، الَّذِي اخْتَارَ الْإِسْلَامَ لِنَفْسِهِ دِينًا، فَأَمَرَ بِهِ وَأَحَاطَهُ، وَتَوَكَّلَ بِحِفْظِهِ وَضَمِنَ إِظْهَارَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ اصْطَفَى مِنْ خَلْقِهِ رُسُلاً ابْتَعَثَهُمْ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ بِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ مِنْ جَهَلَةِ خَلْقِهِ، وَامْتَحَنَهُمْ مِنَ الْمِحَنِ بِصُنُوفٍ، وَابْتَلاَهُمْ مِنَ الْبَلاَءِ بِضُرُوبٍ، تَكْرِيماً لَهُمْ غَيْرَ تَذْلِيلٍ، وَتَشْرِيفًا غَيْرَ تَخْسِيرٍ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، فَكَانَ أَرْفَعَهُمْ عِنْدَهُ دَرَجَةً أَجَدُّهُمْ إِمْضَاءً مَعَ شِدَّةِ الْمِحَنِ، وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ زُلْفًا، وَأَحْسَنُهُمْ إِنْفَاذًا لِمَا أَرْسَلَهُ بِهِ مَعَ عَظِيمِ الْبَلِيَّةِ.
يَقُولُ اللهُ U فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ لِنَبِيِهِ : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ) [الأحقاف:35]. وَقَالَ لَهُ وَلأَتْبَاعِهِ –رِضْوَانُ اللهِ عَلِيهِم-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً () إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ () هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً () وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً) [الأحزاب:9-12]، وَقَالَ –تَعَالَى ذِكْرُهُ-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ () وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:2-3].
فَلَمْ يُخْلِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَداً مِنْ مُكْرَمِي رُسُلِهِ، وَمُقَرَّبِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ مِحْنَةٍ فِي عَاجِلَةٍ دُونَ آجِلَةٍ؛ لِيَسْتَوْجِبَ بِصَبْرِهِ عَلَيْهَا مِنْ رَبِّهِ مِنَ الْكَرَامَةِ مَا أَعَدَّ لَهُ، وَمِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ مَا كَتَبَهُ لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ –تَعَالَى- جَلَّ وَعَلَا ذِكْرُهُ، عُلَمَاءَ كُلِّ أُمَّةِ نَبِيٍّ ابْتَعَثَهُ مِنْهُمْ وُرَّاثَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَالْقُوَّامَ بِالدِّينِ بَعْدَ اخْتِرَامِهِ إِلَيْهِ وَقَبْضِهِ، الذَّابِّينَ عَنْ عُرَاهُ وَأسْبَابِهِ، وَالْحَامِينَ عَنْ أَعْلَامِهِ وَشَرَائِعِهِ، وَالنَّاصِبِينَ دُونَهُ لِمَنْ بَغَاهُ وَحَادَّهُ، الدَّافِعِينَ عَنْهُ كَيْدَ الشَّيْطَانِ وَضَلَالَهُ.
فَضَّلَهُمْ بِشَرَفِ الْعِلْمِ، وَكَرَّمَهُمْ بِوَقَارِ الْحِلْمِ، وَجَعَلَهُمْ لِلدِّينِ وَأَهْلِهِ أَعْلَاماً، وَلِلْإِسْلَامِ وَالهُدَى مَنَارًا، وَلِلْخَلْقِ قَادَةً، وَلِلْعِبَادِ أَئِمَّةً وَسَادَةً، إِلَيْهِمْ مَفْزَعُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وبِهِم اسْتِغَاثَتُهُمْ عِنْدَ النَّائِبَةِ([1])، لَا يُثنِيهُمْ عِنْدَ التَّعطُّفِ وَالتَّحَنُّنِ عَلَيْهِمْ سُوءُ مَا هَمَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُوَلُّونَ، وَلَا تَصُدُّهُمْ عَنِ الرِّقَّةِ عَلَيْهِمْ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ قُبْحُ مَا إِلَيْهِ، مَا يَأْتُونَ مُحَرَّمًا مَنَعَهُمْ طَلَبُ جَزِيلِ ثَوَابِ اللهِ فِيهِمْ، وَتَوَخِّيًا طَلَبَ رَضَا اللهِ فِي الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ جَعَلَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَذِكْرُهُ- عُلَمَاءَ أُمَّةِ نَبِيِّنَا مِنْ أَفْضَلِ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ الَّتِي خَلَتْ قَبلَهَا فِيمَا كَانَ؛ قَسَمَ لَهُمْ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ وَالْمَرَاتِبِ وَالْكَرَامَاتِ فَشَمِلَ، وَأَجْزَلَ لَهُمْ فِيهِ حَظًّا وَنَصِيبًا، مَعَ ابْتِلَاءِ اللهِ أَفَاضِلَهَا بِمَنَافِعِهَا، وَامْتَحَانِهِ خِيَارَهَا بِشِرَارِهَا، وَرُفَعَائِهَا بِسِفْلِهَا وَضُعَاتِهَا، فَلَمْ يَكُنْ يُثْنِيهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مِنْهُمْ يُبْتَلُونَ، وَلَا كَانَ يَصُدُّهُمْ مَا فِي اللهِ مِنْهُمْ يَلْقَوْنَ عَنِ النَّصِيحَةِ لِلهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ، بَلْ كَانُوا بِعِلْمِهِمْ عَلَى جَهْلِهِمْ يَعُودُونَ، وَبِحِلْمِهِمْ لِسَفَهِهِمْ يَتَعَمَّدُونَ، وَبِفَضْلِهِمْ عَلَى نَقْصِهِمْ يَأْخُذُونَ، بَلْ كَانَ لَا يَرْضَى كَبِيرٌ مِنْهُمْ مَا أَزْلَفَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ اللهِ مِنْ فَضْلِ ذَلِكَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَادَّخَرَ مِنْهُ مِنْ كَرِيمِ الذَّخَائِرِ لَدَيْهِ قَبْلَ مَمَاتِهِ، حَتَّى تَبْقَى لِمَنْ بَعْدَهُ آثَارًا عَلَى الْأَيَّامِ بَاقِيَةً، وَلَهُمْ إِلَى الرَّشَادِ هَادِيَةً، جَزَاهُمُ اللهُ عَنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِمْ أَفْضَلَ مَا جَزَى عَالِمَ أُمَّةٍ عَنْهُمْ، وَحَبَاهُمْ مِنَ الثَّوَابِ أَجْزَلَ ثَوَابٍ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ قَسَمَ لَهُ مِنْ صَالِحِ مَا قَسَمَ لَهُمْ، وَأَلْحَقَنَا بِمَنَازِلِهِمْ، وَكَرَّمَنَا بِحُبِّهِمْ وَمَعْرِفَةِ حُقُوقِهِمْ، وَأَعَاذَنَا وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا مِنْ مُرْدِيَاتِ الْأَهْوَاءِ، وَمُضَلَّاتِ الْآرَاءِ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ بَعْدِ مُضِيِّ رَسُولِ اللهِ لِسَبِيلِهِ حَوَادِثُ فِي كُلِّ دَهْرٍ تَحْدُثُ، وَنَوَازِلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ تَنْزِلُ، يَفْزَعُ فِيهَا الْجَاهِلُ إِلَى الْعَالِم، فَيَكْشِفُ فِيهَا الْعَالِمُ سَدَفَ الظَّلَامِ عَنِ الْجَاهِلِ بِالْعِلْمِ الَّذِي آتَاهُ اللهُ وَفَضَّلَهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، إِمَّا مِنْ أَثَرٍ وَإِمَّا مِنْ نَظَرٍ، فَكَانَ مِنْ قَدِيمِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي تَنَازَعَتْ فِيهِ أُمَّتُهُ، وَاخْتِلَافُهَا فِي أَفْضَلِهِمْ بَعْدَهُ، وَأَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَأَوْلَاهُمْ.
ثُمَّ الْقَوْلُ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ طَاعَتِهَا وَمَعَاصِيهَا، وَهَلْ هِيَ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ أَمِ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْمُبْهَمِ مُفَوَّضٌ؟
ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الْإِيمَانِ هَلْ هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ أَمْ هُوَ قَوْلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ وَهَلْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَمْ لَا زِيَادَةَ لَهُ وَلَا نُقْصَانَ؟
ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟
ثُمَّ رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ –تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ الْقَوْلُ فِي أَلْفَاظِهِمْ بِالْقُرْآنِ.
ثُمَّ حَدَثَ فِي دَهْرِنَا هَذَا حَمَاقَاتٌ خَاضَ فِيهَا أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْغَبَاءِ وَنَوْكَى الْأُمَّةِ وَالرَّعَاعُ، يُتْعِبُ إِحْصَاؤُهَا، وَيُمَلُّ تَعْدَادُهَا، فِيهَا الْقَوْلُ فِي اسْمِ الشَّيْءِ أَهُوَ هُوَ أَمْ هُوَ غَيْرُهُ؟ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ الصَّوَابَ لَدَيْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ –إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
فَأَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِالْقَوْلِ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ وَتَنْزِيلُهُ؛ إِذْ كَانَ مِنْ مَعَانِي تَوْحِيدِهِ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ: كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَيْفَ كُتِبَ وَحَيْثُ تُلِيَ وَفِي أيِّ مَوْضِعٍ قُرِئَ، فِي السَّمَاءِ وُجِدَ، وَفِي الْأَرْضِ حَيْثُ حُفِظَ، فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَانَ مَكْتُوبًا، وَفِي أَلْوَاحِ صِبْيَانِ الْكَتَاتِيبِ مَرْسُومًا، فِي حَجَرٍ نُقِشَ، أَوْ فِي وَرَقٍ خُطَّ، أَوْ فِي الْقَلْبِ حُفِظَ، وَبِلِسَانٍ لُفِظَ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ أَوِ ادَّعَى أَنَّ قُرْآنًا فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ سِوَى الْقُرْآنِ الَّذِي نَتْلُوهُ بِأَلسِنَتِنَا وَنَكْتُبُهُ فِي مَصَاحِفِنَا، أَوِ اعْتَقَدَ غَيْرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ، أَوْ أَضْمَرَهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ قَالَهُ بِلِسَانِهِ دَائِنًا بِهِ، فَهُوَ بِاللهِ كَافِرٌ، حَلَالُ الدَّمِ، بَرِيءٌ مِنَ اللهِ، وَاللهُ مِنْهُ بَرِيءٌ، بِقَوْلِ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ () فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج:21-22]، وَقَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ –عَزَّ وَجَلَّ-: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) [التوبة:6]. فَأَخْبَرَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَنَّهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَكْتُوبٌ، وَأَنَّهُ مِنْ لِسَانِ مُحَمَّدٍ مَسْمُوعٌ، وَهُوَ قُرْآنٌ وَاحِدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ مَسْمُوعٌ، فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَكْتُوبٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصُّدَورِ مَحْفُوظٌ، وَبِأَلْسُنِ الشُّيُوخِ وَالشَّبَابِ مَتْلُوٌّ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَمَنْ رَوَى عَنَّا، أَوْ حَكَى عَنَّا، أَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا، فَادَّعَى أَنَّا قُلْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَغَضَبُهُ، وَلَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا قَبِلَ اللهُ لَهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَهَتَكَ سِتْرَهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مَعْبَدٌ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ t: إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ عَنِ الْقُرْآنِ: مَخْلُوقٌ أَوْ خَالِقٌ؟ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللهِ U)([2]).
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْأمُلِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأمُلِيُّ أَبُو مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: أَدْرَكْتُ مَشَايِخَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: (الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ)([3]).
وَأَمَّا الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهَمْ U يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ دِينُنَا الَّذِي نَدِينُ اللهَ بِهِ، وَأَدْرَكْنَا عَلَيْهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَهُوَ: أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَهُ عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ .
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، وَحَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، وَمُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ تَمِيمٌ: أَنْبَأَنَا يَزِيدُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: (إِنَّكُمْ رَاءُونَ رَبَّكُمْ U كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا) ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق:39]([4]).
وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ، قَالَ يَزِيدُ: مَنْ كَذَّبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، حَلَفَ غَيْرَ مَرَّةً، وَأَقُولُ أَنَا: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ، وَصَدقَ يَزِيدُ وَقَالَ الحَقَّ.
وَأَمَّا الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ لَدَيْنَا فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَحَسَنَاتِهِمْ وَسَيِّئَاتِهِمْ: فإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ –تَعَالَى-، وَاللهُ –سُبْحَانَهُ- مَقَدِّرُهُ وَمُدَبِّرُهُ، لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَحْدُثُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرْ كَمَا يُرِيدُ.
حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عِبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ)([5]). اللَّفْظُ لِحَدِيثِ أَبِي الْخَطَّابِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَحْيَى.
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِم، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: (الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ)([6]).
وَأَمَّا الْحَقُّ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي أَفْضَلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ : فَمَا جَاءَ عَنْهُ وتَتَابَعَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ السَّلَفُ وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ : (إِنَّ اللهَ –جَلَّ وَعَلَا- اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِي، وَفِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ، وَاخْتَارَ أُمَّتِي عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَاخْتَارَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَةَ قُرُونٍ مِنْ بَعْدِ أَصْحَابِي، الْقَرْنَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ تَتْرَى، وَالْقَرْنَ الرَّابِعَ فَرْدًا)([7]).
وَكَذَلِكَ نَقُولُ: فَأَفْضَلُ أَصْحَابِهِ : الصِّدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ t، ثُمَّ الْفَارُوقُ بَعدَهُ عُمَرُ، ثُمَّ ذُو النُّورَيْنِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، ثُمَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.
وَأَمَّا أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا مَنْ أَوْلَى الصَّحَابَةِ بِالْإِمَامَةِ، فَبِقَولِ مَنْ قَالَ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جَمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ : (الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ مُلْكٌ)([8])، قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ: سَنَتَانِ، وَخِلَافَةُ عُمَرَ، وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ، وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ: سِتٌّ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهَا ثَلَاثُونَ سَنَةً.
وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي الْإِيمَانِ هَلْ هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ؟ وَهَلْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، أَمْ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ؟ فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَبِهِ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ، وَعَلَيْهِ مَضَى أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ –رَحِمَهُ اللهُ- عَنِ الْإِيمَانِ، فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: (الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ)، فَقِيلَ: وَمَا زِيَادَتُهُ، وَمَا نُقْصَانُهُ؟ فَقَالَ: (إِذَا ذَكَرْنَا اللهَ فَحَمِدْنَاهُ وَسَبَّحْنَاهُ فَذَلِكَ زِيَادَتُهُ، وَإِذَا غَفَلْنَا، وَضَيَّعْنَا، وَنَسِينَا فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ)([9]).
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُمُ اللهُ، يُنْكِرُونَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ إِقْرَارٌ بِلَا عَمَلٍ، وَيَقُولُونَ: (لَا إِيمَانَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِإِيمَانٍ)([10]).
وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي أَلْفَاظِ الْعِبَادِ بِالْقُرْآنِ، فَلَا أَثَرَ فِيهِ نَعْلَمُهُ عَنْ صَحَابِيٍّ مَضَى، وَلَا تَابِعِيٍّ قَضَى، إِلَّا عَمَّنْ فِي قَوْلِهِ الْغَنَاءُ وَالشِّفَاءُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ، وَفِي اتِّبَاعِهِ الرُّشْدُ وَالْهُدَى، وَمَنْ يَقُومُ قَوْلُهُ لَدَيْنَا مَقَامَ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْأُولَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ t.
فَإِنَّ أَبَا إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيَّ حَدَّثَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: (اللَّفْظِيَّةُ جَهْمِيَّةٌ؛ لِقَوْلِ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) [التوبة:6]، فَمِمَّنْ يَسْمَعُ؟).
ثُمَّ سَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا لَا أَحْفَظُ أَسْمَاءَهُمْ يَذْكُرُونَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ).
وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ إِمَامٌ نَأْتَمُّ بِهِ سِوَاهُ، وَفِيهِ الْكِفَايَةُ وَالْمَنْعُ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُتَّبَعُ –رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ-.
وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي الاِسْمِ: أَهُوَ الْمُسَمَّى أَمْ غَيْرُ الْمُسَمَّى؟ فَإِنَّهُ مِنَ الْحَمَاقَاتِ الْحَادِثَةِ الَّتِي لَا أَثَرَ فِيهَا فَيُتَّبَعُ، وَلَا قَوْلَ مِنْ إِمَامٍ فَيُسْتَمَعُ، فَالْخَوْضُ فِيهِ شَيْنٌ، وَالصَّمْتُ عَنْهُ زَيْنٌ. وَحَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الْعِلِمِ بِهِ، وَالْقَوْلِ فِيهِ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى قَوْلِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ الصَّادِقِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء:110]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180].
وَيَعْلَمَ أَنَّ رَبَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) [طه:6]، فَمَنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ وَضَلَّ وَهَلَكَ.
فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ بَعُدَ مِنَّا فَنَأَى، أَوْ قَرُبَ فَدَنَا، أَنَّ الَّذِي نَدِينُ اللهَ بِهِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا بَيَّنَّاهُ لَكُمْ عَلَى وَصْفِنَا، فَمَنْ رَوَى عَنَّا خِلَافَ ذَلِكَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْنَا سِوَاهُ أَوْ نَحَلَنَا فِي ذَلِكَ قَوْلًا غَيْرَهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، مُتَخَرِّصٌ مُعْتَدٍ، يَبُوءُ بِسَخَطِ اللهِ، وَعَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ وَلَعْنَتُهُ فِي الدَّارَيْنِ، وَحَقٌ عَلَى اللهِ أَنْ يُورِدَهُ الْمَوْرِدَ الَّذِي وَرَّدَ رَسُولُ اللهِ ضُرَبَاءَهُ، وَأَنْ يُحِلَّهُ الْمَحَلَّ الَّذِي أَخْبَرَ نَبِيُّ اللهِ أَنَّ اللهَ يُحِلُّ أَمْثَالَهُ، عَلَى مَا أَخْبَرَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيّاشٍ الْحِمْصِيِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بُشَيْرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ الْأَصْبَحِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (أَرْبَعَةٌ يُؤْذُونَ أَهْلَ النَّارِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْأَذَى: يَسْعَوْنَ بَيْنَ الْحَمِيمِ وَالْجَحِيمِ، يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ قَدْ آذَوْنَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الأَذَى؟: فَرَجُلٌ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ تَابُوتٌ مِنْ جَمْرٍ، وَرَجُلٌ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ، وَرَجُلٌ يَسِيلُ فُوهُ قَيْحًا وَدَمًا، وَرَجُلٌ يَأْكُلُ لَحْمَهُ، فَيَقُولُ لِصَاحِبِ التَّابُوتِ: مَا بَالُ الأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الأَذَى؟ فَيَقُولُ: إِنَّ الْأَبْعَدَ مَاتَ وَفِي عُنُقِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ: مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الأَذَى؟ فَيَقُولُ: قَدْ سَقَطَ مِني([11])، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَسِيلُ فُوهُ قَيْحًا وَدَمًا: مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الأَذَى؟ فَيَقُولُ: إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ كَلِمَةٍ قَذِعَةٍ فَيَسْتَلِذُّهَا كَمَا يَسْتَلِذُّ الرَّفَثَ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَأْكُلُ لَحْمَهُ، مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الأَذَى؟ فَيَقُولُ: إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَيَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ)([12]).
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلِ بْنِ حَرَشَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ : (مَنْ ذَكَرَ امْرَأً بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِيُعِيبَهُ، حَبَسَهُ اللهُ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِ مَا قَالَ فِيهَ)([13]).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا َبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ صُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ)([14]).
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ t قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ بَقِيعَ الْغَرْقَدِ فَوَقَفَ عَلَى قَبْرَيْنِ ثَرِيَّيْنِ، فَقَالَ: (أَدَفَنْتُمْ هُنَا فُلَانًا وَفُلَانَةَ؟) أَوْ قَالَ: (فُلَانًا وَفُلَانًا؟) فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: (قَدْ أُقْعِدَ فُلَانٌ الْآنَ يُضْرَبُ)، ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ ضُرِبَ ضَرْبَةً مَا بَقِيَ مِنْهُ عُضْوٌ إِلَّا انْقَطَعَ، وَلَقَدْ تَطَايَرَ قَبْرُهُ نَارًا، وَلَقَدْ صَرَخَ صَرْخَةً سَمِعَتْهَا الْخَلَائِقُ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلَوْلَا تَمْرِيجُ قُلُوبِكُمْ وَتَزَيُّدُكُمْ فِي الْحَدِيثِ لَسَمَعْتُمْ مَا أَسْمَعُ)، ثُمَّ قَالَ: (الْآنَ يُضْرَبُ هَذَا، الْآنَ يُضْرَبُ هَذَا)، ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ ضُرِبَ ضَرْبَةً مَا بَقِيَ مِنْهُ عَظْمٌ إِلَّا انْقَطَعَ، وَلَقَدْ تَطَايَرَ قَبْرُهُ نَارًا، وَلَقَدْ صَرَخَ صَرْخَةً سَمِعَهَا الْخَلَائِقُ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلَوْلَا تَمْرِيجٌ فِي قُلُوبِكُمْ وَتَزَيُّدُكُمْ فِي الْحَدِيثِ لِسِمِعْتُمْ مَا أَسْمَعُ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا ذَنْبُهُمَا؟، قَالَ: (أَمَّا فُلَانٌ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا فُلَانٌ – أَوْ فُلَانَةُ – فَإِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ)([15]).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، جَمِيعًا عَنِ الْأَعَمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ : (يَا مَعشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ)([16]).
آخِرُ الكِتَابِ وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَكَانَ الفَرَاغُ مِنهُ فِي يَومِ الأَرْبِعَاءِ ثَانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ لمُحَرَّمْ الحَرَامِ، افْتِتَاحِ سَنَةِ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ وَأَلْف، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا إِلَى يَومِ الدِّينِ آمِين آمِين آمِين.


([1])   قلت: لا يعني بذلك الاستغاثة بهم بعد موتهم، بل هو في حال حياتهم من إصلاحٍ ودعوةٍ إلى الخير. [بدر المعتوق].
([2])  إسناده حسن: أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (390)، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (132) وقال المحقق: (إسناده حسن).
 ([3])أخرجه اللائكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (381).
([4]) متفق عليه: أخرجه البخاري (7434)، ومسلم (633).
([5]) صحيح: رواه الترمذي (2144) وصححه الألباني.
([6]) حسن: رواه أبو داود (4691) وحسنه الألباني مرفوعاً عن النبي r.
[7])) ضعيف: رواه الآجري في الشريعة (1153) وقال المحقق: (موضوع)، ورواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2334) وقال المحقق: (سنده ضعيف والمتن موضوع)، وضعفه الألباني في الضعيفة (6123)، وسبب ضعفه: أن في سنده عبد الله بن صالح وهو ضعيف، وأن في متنه نكارة تخالف الأحاديث الصحيحة.
[8])) صحيح: رواه أبو داود (4646)، والترمذي (2226) وصححه الألباني.
([9]) صحيح: رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة – أبي مالك (659) وحسنه المحقق، والآجري في الشريعة (215) وصححه المحقق.
([10]) إسناده حسن: أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1586) قال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرحه ص82: (وسنده حسن).
[11])) يعني أن الإمام ابن جرير الطبري –رحمه الله- سقطت منه هذه الجملة، أي: نسيها؛ وقد جاءت في المعجم الكبير للطبراني (7226): قال: (إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ لَا يُبَالِي أَيْنَ أَصَابَ البَولُ مِنهُ لَا يَغْسِلُهُ).
[12])) ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير قال الشيخ عبد العزيز الراجحي –حفظه الله- في شرحه (ص102): "هذا الحديث ضعيف بثلاث علل: العلة الأولى: جهالة ثعلبة بن مسلم فإنه مجهول، والحديث إذا كان فيه مجهول فهو ضعيف. العلة الثانية: جهالة أيوب بن بشير العجلي فهو مجهول. العلة الثالثة: الإرسال فإن شفي بن ماتع الأصبحي تابعي".
([13]) ضعيف: رواه الطبراني في الأوسط (8936)، وعلته: ضعف شيخ الطبراني المقدام بن داود.
([14]) صحيح: رواه أحمد (13340)، وأبو داود (4878) وصححه الألباني.
[15])) رواه أحمد (22292).
([16]) حسن صحيح: رواه أحمد (19776)، وأبو داود (4880)، وقال الألباني: (حسن صحيح).