الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

جواب أبي بكر الخطيب عن سؤال بعض أهل دمشق في الصفات

جواب أبي بكر الخطيب عن سؤال بعض أهل دمشق في الصفات
المؤلف: الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بـ(الخطيب البغدادي) -رحمه الله- (392-463هـ).
أَخْبَرَنَا الشَّيخُ أَبُو طَالِب المبَارَكُ بنُ عَلِي الصَّيرَفِي إِذنًا، قَالَ: أَنبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحمَدُ بنُ مَرزُوقٍ بنِ عَبدِ الرَّزاقِ الزَّعفَرَانِي قِرَاءةً عَلَيهِ وَأَنَا أَسمَعُ فِي رَبِيعٍ الأول مِن سَنَةِ سِتٍ وَخَمسِ مِائة، قَالَ: أَنبَأَنَا الخَطِيبُ الحَافِظُ أَبُو بَكرٍ أَحمَدُ بنُ عَلِي البَغدَادِي قَالَ: كَتَبَ إِليَّ بَعضُ أَهلِ دِمَشقٍ يَسْأَلُنَي عَن مَسَائِل ذَكَرَهَا، فَأَجَبتُهُ عَن ذَلِكَ، وَقَرَأَهُ لَنَا فِي جَوَابِ مَا سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: وَقَفتُ عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ الشَيخُ الفَاضِلَ أَدَامَ اللهُ تَأييدَهُ، وَأَحسَنَ تَوفِيقَهُ وَتَسدِيدَهُ، وَسَكَنَت إِلَى مَا تَأَدَّى إِليَّ مِن عِلمِ أَخبَارِهِ، أَجَرَاهَا اللهُ عَلَى إِيثَارِهِ، وَأَجَبتُهُ بِمَا لَهُ جَوَابُ نَفعٍ وِفَاق اختِيَارِهِ، وَأَسأَلُ اللهَ العِصمَةَ مِنَ الخَطَأ وَالزَلَل، وَالتَّوفِيقَ لإِدرَاكِ صَوابِ القَولِ وَالعَمَل، بِمَنِهِ وَرَحمَتِهِ.
أَمَا الكَلَامُ فِي الصَّفَاتِ؛ فَإِنَّ مَا رُوي مِنهَا فِي السُّنَنَ الصِّحَاحِ، مَذهَبُ السَّلَفِ -رُضوَانُ اللهِ عَلَيهِم- إِثبَاتُهَا وَإِجرَاؤُهَا عَلَى ظَوَاهِرَهَا، وَنَفيُ الكَيفِيَةِ وَالتَّشبِيهِ عَنهَا.
وَقَد نَفَاهَا قَومٌ فَأَبطَلَوا مَا أَثبَتَهُ اللهُ –سبحانه-، وَحَقَقَهَا مِنَ المثبِتينَ قَومٌ، فَخَرَجُوا فِي ذَلِكَ إلِى ضَربٍ مِنَ التَّشبِيهِ وَالتَّكييف.
وَالقَصدُ إِنَّمَا هُوَ سُلُوكُ الطَّريقةُ المتوَسِطَة بَينَ الأَمرَينَ، وَدِينُ اللهِ –تَعَالَى- بَينَ الغَالَيِ فِيهِ واِلمقصر عَنهُ.
وَالأصَلُ فِي هَذَا أَنَّ الكًلاَمَ فِي الصَّفَاتِ فرَعٌ عَلَى الكَلاَمِ فِي الذَاتَ، وَيَحتَذِي فِي ذَلِكَ حَذوَهَ وَمِثَالَه.
فِإَذا كَان مَعلومًا أَنَّ إِثبَاتَ رَبِ العَالَمِينَ -عَزَّ وَجَل- إِنمَا هُو إِثبَاتُ وُجُودٍ لَا إِثبَاتَ كَيفِيَة؛ فَكَذَلكِ إَثباتُ صِفَاتِهِ إنِمَا هُوَ إِثَبَات وُجودٍ لَا إِثبَاتُ تَحدِيدِ وَتكِييِفٍ.
فَإِذَا قُلَنَا: للهِ –تَعَالَى- يَدٌ وَسَمَعٌ وَبَصَرٌ؛ فَإِنَما هِيَ صِفَاتٌ أَثبَتَهَا اللهُ –تعالى- لِنَفسِهِ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ مَعنَى اليَد القُدرَة، وَلَا إِنَّ مَعنَى السَّمعِ وَالبَّصَر العِلم، وَلَا نَقَولَ: إِنَها جَوَارِح، وَلَا نُشَبِهَهَا بَالأَيدِي وَالأَسمَاعِ وَالأَبصَارِ التَّي هِيَ جَوَارَح وَأَدَوَاتٌ لِلفِعلِ.
وَنَقُولُ: إِنَّمَا وَجَبَ إِثبَاتُهَا؛ لأَنَّ التَّوقِيفَ وَرَدَ بِهَا، وَوَجَبَ نَفيُ التَّشبِيهِ عَنهَا؛ لِقَولِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]، وَقَولِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص:4].
وَلمَّا تَعَلَّقَ أَهلُ البِدَعِ عَلَى عَيبِ أَهلِ النَّقلِ بِرِوَايَاتِهِم هَذِهِ الأَحَادِيثِ، وَلبَّسُوا عَلَى مَن ضَعُفَ عِلمُهُ بَأَنهُم يَروونَ مَا لَا يَلِيقُ بِالتَّوحِيدِ وَلَا يَصِحُ فِي الدِّينِ، وَرَمَوهم بِكُفرِ أَهلِ التَّشبِيهِ وَغَفلَةِ أَهلِ التَّعطِيلِ، أُجِيبُوا بِأَنَ فِي كِتَابِ اللهِ –تَعَالَى- آيَاتٍ مُحكَمَاتِ يُفهَمُ مِنهَا المرادُ بِظَاهِرِهَا، وَآيَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ لَا يُوقَفُ عَلَى مَعنَاهَا إِلَّا بِرَدِهَا إِلَى المحكَمِ، وَيَجِبُ تَصدِيقُ الكُلَّ وَالإِيمَانُ بِالَجمِيعِ؛ فَكَذَلِكَ أَخبَارُ الرَسُولِ r جَارَيَةً هَذَا المجرَى، مُنَزّلةٌ عَلَى هَذَا التَّنزِيل، يَرُدُ المتَشَابِهَ مِنهَا إِلَى المحكَم وَيُقبَلُ الجمِيعُ.
وَتَنقَسِمُ الأَحَادِيثُ المروِيَةُ فِي الصِّفَاتِ ثَلَاثَة أَقسَامٍ:
أ‌-               مِنهَا أَخبَارٌ ثَابِتَة: أَجمَعَ أَئِمَةُ النَّقلِ عَلَى صِحَتِهَا؛ لِاستِفَاضَتِهَا وَعَدَالَةِ نَاقِلِيهَا، فَيَجِبُ قَبُولُهُا وَالإِيمَانُ بِهَا، مَعَ حِفظِ القَلبِ أَنْ يَسبِقَ إِليهِ اعتِقَادُ مَا يَقَتَضِي تَشبِيهَ اللهِ بِخَلقِهِ، وَوَصفِهِ بِما لَا يِلِيقُ بِهِ مِنَ الجَوَارِحِ وَالأَدَوَاتِ، وَالتَّغَيُر وَالحَرَكَاتِ.
ب‌-        وَالقِسمُ الثَّانِي: أَخْبَارٌ سَاقِطَة، بِأَسَانِيدَ وَاهِية، وَأَلفَاظٍ شَنِيعَة، أَجْمَعَ أَهلُ العِلمِ بِالنَقلِ عَلَى بُطُولِهَا([1])؛ فَهَذِهِ لَا يَجُوزُ الاشتِغَالُ بِهَا، وَلَا التَّعرِيجُ عَلَيهَا([2]).
ت‌-        وَالقِسمُ الثَّالِث: أَخْبَارٌ اخَتَلَفَ أَهلُ العِلمِ فِي أَحوَالِ نَقَلَتِهَا، فَقَبِلَهُم البَعض دُونَ الكُلِّ، فَهَذِهِ يَجِبِ الاجتِهَادُ وَالنَّظَرُ فِيهَا؛ لِتَلحَقَ بِأَهلِ القَبُولِ، أَو تُجعَل فِي حيِّز الفَسَادِ وَالبُطُولِ([3]).
وَأَمَّا تَعيينُ الأَحَادِيث، فَإِنِي لَم أَشْتَغِل بِهَا، وَلَا تَقَدَّمَ مِنِي جَمعٌ لَهَا، وَلَعَلَ ذَلِكَ يَكُونَ فِيمَا بَعدُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-([4]).




([1]) البطول أي: البطلان.
[2])) قال ابن قدامة في ذم التأويل ص47: (ينبغي أن يعلم أن الأخبار الصحيحة التي ثبتت بها صفات الله تعالى هي الأخبار الصحيحة الثابتة بنقل العدول الثقات التي قبلها السلف ونقلوها ولم ينكروها ولا تكلموا فيها، وأما الأحاديث الموضوعة التي وضعتها الزنادقة ليلبسوا بها على أهل الإسلام أو الأحاديث الضعيفة إما لضعف رُواتها أو جهالتهم أو لعلةٍ فيها؛ فلا يجوز أن يقال بها، ولا اعتقاد ما فيها، بل وجودها كعدمها، وما وضعته الزنادقة فهو كقولهم الذي الذي أضافوه إلى أنفسهم ... وليُعلم أن من أثبت لله تعالى صفةً بشيءٍ من هذه الأحاديث الموضوعة؛ فهو أشد حالاً ممن تأول الأخبار الصحيحة، ودينُ الله تعالى هو بين الغالي فيه والمقصِّر عنه، وطريق السلف رحمة الله عليهم جامعةٌ لكل خير، وفقنا الله وإياكم لاتباعها وسلوكها).
([3]) قال الشيخ الألباني في مختصر العلو ص49 –بعد إيراد جواب الخطيب هذا-:
(فاحفظ هذا الأصل من الكلام في الصفات، وافهمه جيداً؛ فإنه مفتاح الهداية والاستقامة عليها، وعليه اعتمد الإمام الجويني حين هداه الله تعالى لمذهب السلف في الاستواء وغيره، كما تقدم ذكره عنه، وهو عمدة المحققين كلهم في تحقيقاتهم لهذه المسألة، كابن تيمية وابن القيم وغيرهما).
([4]) لعل السائل الذي راسل الخطيب البغدادي كان طلب منه أن يجمع له الأحاديث الثابتة في الصفات فاعتذر له عن ذلك وأبان له أنه لم يسبق له جمعها في مؤلف خاص، ورجا أن يفعل ذلك فيما بعد، هذا احتمالٌ، والاحتمال الآخر أن الخطيب يريد بتعيين الأحاديث المروية في الصفات والتي قسمها ثلاثة أقسام، فأفصح عن نيته في تأليف كتاب يجمع الأقسام الثلاثة، ولا إخال الخطيب تم له ذلك؛ فإن المراجع التي ترجمت له لم تذكر هذا الكتاب، والله تعالى أعلم.

اعْتِقَادُ أهْلِ السُّنَّةِ للإمام الإسماعيلي

اعْتِقَادُ أهْلِ السُّنَّةِ
الإِمَام الحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَد بْنِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ إِسْمَاعِيْل الإسْمَاعِيْلِي (277-371هـ)
[1] اعْلَمُوا –رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم- أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الحَدِيثِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ:
[2] الإقْرَارُ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.
[3] وَقَبُولُ مَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَمَا صَحَّت بِهِ الرِّوَايَةُ عَن رَسُولِ اللهِ r لا مَعْدِلَ عَمَّا وَرَدَا بِهِ، وَلا سَبِيلَ إِلَى رَدِّهِ، إِذ كَانُوا مَأمُورِينَ بِاتِّبَاعِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، مَضْمُوناً لَهُمُ الهُدَى فِيهِمَا، مَشْهُوداً لَهُم بِأَنَّ نَبِيَّهُم r، يَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، مُحَذِّرِينَ فِي مُخَالَفَتِهِ الفِتْنَةَ وَالعَذَابَ الأَلِيمَ.
[4] وَيَعْتَقِدُونَ: أَنَّ للهَ تَعَالَى مَدْعُوٌّ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، مَوصُوفٌ بِصِفَاتِهِ التَّي سَمَّى وَوَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ r.
[5] خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ.
[6] وَيَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشَاءُ، بِلا اعتِقَادِ كَيفٍ.
[7] وَأَنَّهُ U استَوَى عَلَى العَرشِ بِلا كَيفٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْهَى([1]) إِلَى أَنَهُ استَوَى عَلَى العَرشِ، وَلَم يَذكُر كَيفَ كَانَ استِوَاؤُهُ.
[8] وَأَنَّهُ مَالكُ خَلقِهِ، وَأَنشَأهُم لَا عَن حَاجَةٍ إِلَى مَا خَلَقَ، وَلَا لِمَعنًى دَعَاهُ إِلَى أَن خَلَقَهُم، لَكِنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ، وَيَحكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا يُسألُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَالخَلْقُ مَسئُولُونَ عَمَّا يَفْعَلُونَ.
[9] وَأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِأَسمَائِهِ الحُسنَى، وَمَوصُوفٌ بِصِفَاتِهِ التَّي سَمَّى وَوَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَسَمَّاهُ وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ u.
[10] لَا يُعجِزُهُ شَيءٌ فِي الأرضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.
[11] وَلَا يُوصَفُ بِمَا فِيهِ نَقْصٌ أَو عَيبٌ أَو آفَةٌ، فَإِنَّهُ U تَعَالَى عَن ذَلِكَ.
[12] وَخَلَقَ آدَمَ u بِيَدِهِ.
[13] وَيَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشَاءُ، بِلَا اعتِقَادِ كَيفَ يَدَاهُ؛ إِذ لَم يَنطِق كِتَابُ اللهِ تَعَالَى فِيهِ بِكَيفٍ.
[14] وَلَا يُعتَقَدُ فِيهِ الأَعضَاءُ وَالجَوَارِحُ، وَلَا الطُّولُ، وَالعَرضُ، وَالغِلظُ وَالدِّقَّةُ، وَنَحوُ هَذَا مِمَّا يَكُونُ مِثلُهُ فِي الخَلقِ، وَأَنَّهُ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ –تَبَارَكَ وَجهُ رَبِّنَا ذِي الجَلَالِ وَالإِكرَامِ-([2]).
[15] وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ أَسمَاءَ اللهِ غَيرُ الله كَمَا يَقُولُهُ المُعتَزِلَةُ وَالخَوَارِجُ، وَطَوَائِفُ مِن أَهلِ الأَهوَاءِ.
[16] وَيُثبِتُونَ أَنَّ لَهُ وَجهًا، وَسَمعًا، وَبَصَرًا، وَعِلمًا، وَقُدرَةً، وَقُوَّةً، وَعِزَّةً، وَكَلَامًا، لَا عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهلُ الزَّيغِ مِنَ المُعتَزِلَةِ وَغَيرِهِم، وَلَكِن كَمَا قَالَ –تَبَارَكَ وَتعَالَى- (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن:27].
وَقَالَ: (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النساء:166].
وَقَالَ: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ) [البقرة:255].
وَقَالَ: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10].
وَقَالَ: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ) [الذاريات:47].
وَقَالَ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت:15].
وَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58].
[17] فَهُوَ تَعَالَى ذُو العِلمِ، وَالقُوَّةِ، وَالقُدرَةِ، وَالسَّمعِ، وَالبَصَرِ، وَالكَلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه:39].
(وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) [هود:37].
وقَالَ: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) [التوبة:6].
وَقَالَ: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) [النساء:164].
وَقَالَ: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل:40].
[18] وَيَقُولُونَ مَا يَقُولُهُ المُسلِمُونَ بِأَسرِهِم: ((مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَم يَشَأ لَا يَكُونُ))، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [التكوير:29].
[19] وَيَقُولُونَ: لَا سَبِيلَ لأَحَدٍ أَن يَخرُجَ عَن عِلمِ اللهِ، وَلَا أَن يَغلِبَ فِعلُهُ وَإِرَادَتُهُ مَشِيئَةَ الله، وَلَا أَن يُبَدِّلَ عِلمَ الله، فَإِنَّهُ العَالِمُ: لَا يَجهَلُ وَلَا يَسهُو، وَالقَادِرُ: لَا يُغلَبُ.
[20] وَيَقُولُونَ: القُرآنُ كَلَامُ اللهِ غَيرُ مَخلُوقٍ، وَإِنَّهُ كَيفَمَا تَصَرَّفَ بِقِرَاءَةِ القَارِئِ لَهُ وَبِلَفظِهِ، وَمَحفُوظًا فِي الصُّدُورِ، مَتلُوًّا بِالأَلسُنِ، مَكتُوبًا فِي المَصَاحِفِ، غَيرُ مَخلُوقٍ، وَمَن قَالَ بِخَلقِ اللَّفظِ بِالقُرآنِ يُرِيدُ بِهِ القُرآنَ؛ فَقَد قَالَ بِخَلقِ القُرآنِ.
[21] وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا خَالِقَ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ U، وَإِنَّ أَكسَابَ العِبَادِ كُلَّهَا مَخلُوقَةٌ للهِ، وَإِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَن يَشَاءُ، لَا حُجَّةَ لِمَن أَضَلَّهُ اللهُ U وَلَا عُذرَ، كَمَا قَالَ اللهُ U: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام:149].
وَقَالَ: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (*) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ) [الأعراف:29-30].
وَقَالَ: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ) [الأعراف:179].
وَقَالَ: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) [الحديد:22]. وَمَعنَى: (نَبْرَأَهَا): نَخلُقَهَا، بِلَا خِلَافٍ فِي اللُّغَةِ.
وَقَالَ مُخبِرًا عَن أَهلِ الجَنَّةِ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف:43].
وَقَالَ: (لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد:31].
وَقَالَ: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (*) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود:118-119].
[22] وَيَقُولُونَ: إِنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ، وَالحُلوَ وَالمُرَّ، بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ U، أَمضَاهُ وَقَدَّرَهُ لَا يَملِكُونَ لأَنفُسِهِم ضَرًا وَلَا نَفعاً، إِلَّا مَا شَاءَ اللهِ.
[23] وَإِنهُم فُقرَاءُ إِلَى اللهِ U لَا غِنَى لَهُم عَنهُ فِي كُلِّ وَقتٍ.
[24] وَإِنَّهُ U يَنزِلُ إِلَى السَّمَاءِ عَلَى مَا صَحَّ بِهِ الخَبَرُ عَن رَسُولِ اللهِ() بِلَا اعتِقَادِ كَيفٍ فِيهِ.
[25] وَيَعتَقِدُونَ جَوَازَ الرُّؤيَةِ مِنَ العِبَادِ المُتَّقِينَ للهِ U فِي القِيَامَةِ دُونَ الدُّنيَا، وَوُجُوبَهَا لِمَن جَعَلَ ذَلِكَ ثَوَابًا لَهُ فِي الآخِرَة، كَمَا قَالَ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (*) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23].
وَقَالَ فِي الكُفَّارِ: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15].
فَلَو كَانَ المُؤمِنُونَ كُلُّهُم وَالكَافِرُونَ كُلُّهُم لَا يَرَونَهُ كَانُوا بِأَجمَعِهِم عَنهُ مَحجُوبِينَ، وَذَلِكَ مِن غَيرِ اعتِقَادِ التَّجسِيمِ فِي اللهِ U، وَلَا التَّحدِيدِ لَهُ()؛ وَلَكِن يَرَونَهُ –جَلَّ وَعَزَّ- بِأَعيُنِهِم عَلَى مَا يَشَاءُ هُوَ بِلَا كَيفٍ.
[26] وَيَقُولُونَ: إِنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَلٌ وَمَعرِفَةٌ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنقُصُ بِالمَعصِيَةِ، وَمَن كَثُرَت طَاعَتُهُ أزيَدُ إِيمَانًا مِمَّن هُوَ دُونَهُ فِي الطَّاعَةِ.
[27] وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَحَدًا مِن أَهلِ التَّوحِيدِ وَمَن يُصَلِّي إِلَى قِبلَةِ المُسلِمِينَ، لَوِ ارتَكَبَ ذَنبًا، أَو ذُنُوبًا كَثِيرَةً، صَغَائِرَ، أَو كَبَائِرَ، مَعَ الإِقَامَةِ عَلَى التَّوحِيدِ للهِ، وَالإِقرَارِ بِمَا التَزَمَهُ وَقَبِلَهُ عَنِ اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُكفَّرُ بِهِ، وَيَرجُونَ لَهُ المَغفِرَةَ (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:48].
[28] وَاختَلَفُوا فِي مُتَعَمِّدِي تَركِ الصَّلَاةِ المَفرُوضَةِ حَتَّى يَذهَبَ وَقتُهَا مِن غَيرِ عُذرٍ، فَكَفَّرَهُ جَمَاعَةٌ، لِمَا رُوي عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: ((بَينَ العَبدِ وَبَينَ الكُفرِ تَركُ الصَّلَاةِ))().
وَقَولُهُ: ((مَن تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَد كَفَرَ))().
وَ: ((مَن تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَد بَرِئَت مِنهُ ذِمَّةُ اللهِ))().
وَتَأوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنهُم أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ َمَن تَرَكَهَا جَاحِدًا لَهَا، كَمَا قَالَ يُوسُف u: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [يوسف:37]، تَركَ جُحُودٍ.
[29] وَقَالَ كَثِيرٌ مِنهُم: إِنَّ الإِيمَانَ: قَولٌ وَعَمَلٌ، وَالإِسلَامَ: فِعلُ مَا فُرِضَ عَلَى الإِنسَانِ أَن يَفعَلَهُ إِذَا ذُكِرَ كُلُّ اسمٍ عَلَى حِدَتِهِ مَضمُومًا إِلَى الآخَرِ، فَقِيلَ: المُؤمِنونَ وَالمُسلِمُونَ جَمِيعًا أَو مُفرَدَينِ أُرِيدَ بِأَحَدِهِمَا مَعنًى لَم يُرَد بِالآخَرِ، وَإِن ذُكِرَ أَحَدُ الاسمَينِ شَمِلَ الكُلَّ وَعَمَّهُم.
[30] وَكَثِيرٌ مِنهُم قَالُوا: الإِسلَامُ وَالإِيمَانُ وَاحِدٌ.
فَقَالَ اللهُ U: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران:85].
فَلَو أَنَّ الإِيمَانَ غَيرُهُ لَم يُقبَل، وَقَالَ: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (*) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات:35-36].
[31] وَمِنهُم: مَن ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الإِسلَامَ مُختَصٌّ بِالاستِسلَامِ للهِ وَالخُضُوعِ لَهُ، وَالانقِيَادِ لِحُكمِهِ فِيمَا هُوَ مُؤمِنٌ بِهِ، كَمَا قَالَ: (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:14].
وَقَالَ: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ) [الحجرات:17]. وَهَذَا أيضًا دَلِيلٌ لِمَن قَالَ: هُمَا وَاحِدٌ.
[32] وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ يُخرِجُ مِنَ النَّارِ قَومًا مِن أَهلِ التَّوحِيدِ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ بِرَحمَتِهِ.
[33] وَإِنَّ الشَّفَاعَةَ حَقٌّ.
[34] وَإِنَّ الحَوضَ حَقٌّ.
[35] وَالمِيزَانَ حَقٌّ.
[36] وَالحِسَابَ حَقٌّ.
[37] وَلَا يَقطَعُونَ عَلَى أَحَدٍ مِن أَهلِ المِلَّةِ أَنَّهُ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، أَو أَنَّهُ مِن أَهلِ النَّارِ؛ لأَنَّ عِلمَ ذَلِكَ يَغِيبُ عَنهُم لَا يَدرُونَ عَلَى مَاذَا يَمُوتُ: أَعَلَى الإِسلَامِ أَم عَلَى الكُفرِ؟
وَلَكِن يَقُولُونَ: إِنَّ مَن مَاتَ عَلَى الإِسلَامِ مُجتَنِبًا لِلكَبَائِرِ وَالأَهوَاءِ وَالآثَامِ، فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّة؛ لِقَولِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [البينة:7]. وَلَم يَذكُر عَنهُم ذَنبًا: (أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (*) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [البينة:7-8].
[38] وَمَن شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ r بِعَينِهِ بِأَنَّهُ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، وَصَحَّ لَهُ ذَلِكَ عَنهُ، فَإِنَّهُم يَشهَدُونَ لَهُ بِذَلِكَ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللهِ r، وَتَصدِيقًا لِقَولِهِ.
[39] وَيَقُولُونَ: إِنَّ عَذَابَ القَبرِ حَقٌّ، يُعَذِّبُ اللهُ مَنِ استَحَقَّهُ إِن شَاءَ، وَإِن شَاءَ عَفَا عَنهُ، لِقَولِهِ تَعَالَى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46].
فَأَثبَتَ لَهُم مَا بَقِيَتِ الدُّنيَا عَذَابًا بِالغُدُوِّ وَالعَشِيِّ دُونَ مَا بَينَهُمَا، حَتَّى إِذَا قَامَتِ القِيَامَةُ عُذِّبُوا أَشَدَّ العَذَابِ، بِلَا تَخفِيفٍ عَنهُم، كَمَا كَانَ فِي الدُّنيَا.
وَقَالَ: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) [طه:124]. يَعنِي: قَبلَ فَنَاءِ الدُّنيَا.
لِقَولِه تَعَالَى بَعدَ ذَلِكَ (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) بيَّنَ أَنَّ المَعِيشَةَ الضَّنكَ قَبلَ يَومِ القِيَامَةِ، وَفِي مُعَايَنَتِنَا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالمُشرِكِينَ فِي العَيشِ الرَّغدِ وَالرَّفَاهِةِ فِي المَعِيشَةِ، مَا يُعلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَم يُرِد بِهِ ضِيقَ الرِّزقِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا، لِوُجُودِ مُشرِكِينَ فِي سَعَةٍ مِن أرزَاقِهِم، وَإِنَّما أَرَادَ بِهِ بَعدَ المَوتِ قَبلَ الحَشرِ.
[40] وَيُؤمِنُونَ بِمَسأَلَةِ مُنكَرٍ وَنَكِيرٍ عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الخَبَرُ عَن رَسُولِ اللهِ r مَعَ قَولِهِ تَعَالَى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27]. وَمَا وَرَدَ تَفسِيرُهُ عَنِ النَّبِيِّ([8]).
[41] وَيَرَونَ تَركَ الخُصُومَاتِ وَالمِرَاءِ فِي القُرآنِ وَغَيرِهِ لِقَولِ اللهِ U: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [غافر:4]؛ يَعنِي: يُجَادِلُ فِيهَا تَكذِيبًا بِهَا، وَاللهُ أَعلَمُ.
[42] وَيُثبِتُونَ خِلَافَةَ أَبِي بَكرٍ t بَعدَ رَسُولِ اللهِ r، بِاختِيَارِ الصَّحَابَةِ إِيَّاهُ، ثُمَّ خِلَافَةَ عُمَرَ بَعدَ أَبِي بَكرٍ t، بِاستِخلَافِ أبِي بَكرٍ إِيَّاهُ، ثُمَّ خِلَافَةَ عُثمَانَ t بِاجتِمَاعِ أَهلِ الشُّورَى وَسَائِرِ المُسلِمِينَ عَلَيهِ عَن أَمرِ عُمَرَ، ثُمَّ خِلَافَةَ عليِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ t، بِبَيعَةِ مَن بَايَعَ مِنَ البَدرِيِّينَ: عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَسَهلِ بنِ حُنَيفٍ، وَمَن تَبعَهُمَا مِن سَائِرِ الصَّحَابَةِ مَعَ سَابِقَتِهِ وَفَضلِهِ.
[43] وَيَقُولُونَ بِتَفضِيلِ الصَّحابَةِ الذِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم؛ لِقَولِهِ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح:18].
وَقَولِهِ: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) [التوبة:100].
وَمَن أَثبَتَ اللهُ رِضَاهُ عَنهُ؛ لَم يَكُن مِنهُ بَعدَ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ سَخَطَ اللهِ U، وَلَم يُوجِب ذَلِكَ للتَّابِعِينَ إِلَّا بِشَرطِ الإِحسَانِ، فَمَن كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ مِن بَعدِهِم لَم يَأتِ بالإِحسَانِ، فَلَا مَدخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَمَن غَاظَهُ مَكَانُهُم مِنَ اللهِ، فَهُوَ مَخُوفٌ عَلَيِهِ مَا لَا شَيءَ أَعظَمَ مِنهُ، لِقَولِهِ U: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) إِلَى قَولِهِ: (وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ) [الفتح:29].
فَأَخبَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُم غَيظًا لِلكَافِرِينَ، وَقَالُوا بِخِلافَتِهم؛ لِقَولِ اللهِ U: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فَخَاطَبَ بِقَولِهِ: (مِنْكُمْ) مَن نَزَلَتِ الآيَةُ وَهُوَ مَعَ النَّبيِّ r عَلَى دِينِهِ، فَقَالَ بَعدَ ذَلِكَ: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [النور:55].
فَمَكَّنَ اللهُ بِأَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ الدِّينَ، وَعَدَ اللهِ آمِنِينَ يَغزُونَ وَلَا يُغزَونَ، وَيُخِيفُونَ العَدُوَّ وَلَا يُخِيفُهُمُ العَدُوَّ.
وَقَالَ U لِقَومٍ تَخَلَّفُوا عَن نَبِيِّهِ u فِي الغَزوَةِ التَّي نَدَبَهُمُ اللهُ U بِقَولِهِ: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) [التوبة:83].
فَلَمَّا لَقَوا النَّبيَّ r يَسأَلُونَهُ الإِذنَ فِي الخُرُوجِ لِلغَزوِ فَلَم يَأَذَن لَهُم، أَنزَلَ اللهُ U: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [الفتح:15].
وَالذَّينَ كَانُوا فِي عَهدِ رَسُولِ اللهِ r أَحيَاءً خُوطِبُوا بِذَلِكَ لَمَّا تَخَلَّفُوا عَنهُ، وَبَقِي مِنهُم فِي خِلَافَةِ أبِي بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ y فَأَوجَبَ لَهُم بِطَاعَتِهِم إِيَّاهُمُ الأَجرَ، وَبِتَركِ طَاعَتِهِمُ العَذَابَ الأَلِيمَ، إِيذَانًا مِنَ اللهِ U بِخِلَافَتِهِم y، وَلَا جَعَلَ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لأَحَدٍ مِنهُم؛ فَإِذَا ثَبَتَ خِلَافَةُ وَاحِدٍ مِنهُم، انتُظِمَ مِنهَا خِلَافَةُ الأَربَعَةِ.
[44] وَيَرَونَ الصَّلَاةَ –الجُمُعَةَ وَغَيرَهَا- خَلفَ كُلِّ إِمَامٍ مُسلِمٍ بَرًّا كَانَ أَو فَاجِرًا، فَإِنَّ الله U فَرَضَ الجُمُعَةَ وَأَمَرَ بِإِتيَانِهَا فَرضًا مُطلَقًا، مَعَ عِلمِهِ تَعَالَى بِأَنَّ القَائِمِينَ يَكُونُ مِنهُم الفَاجِرُ وَالفَاسِقُ، فَلَم يَستَثنِ وَقتًا دُونَ وَقتٍ، وَلَا أَمرًا بِالنِّدَاءِ للجُمُعَةِ دَونَ أَمرٍ.
[45] وَيَرونَ جِهَادَ الكُفَّارِ مَعَهُم، وَإِن كَانُوا جَوَرَةً.
[46] وَيَرونَ الدُّعَاءَ لَهُم بِالإِصلَاحِ وَالعَطفِ إِلَى العَدلِ.
[47] وَلَا يَرَونَ الخُرُوجَ بِالسَّيفِ عَلَيهِم.
[48] وَلَا القِتَالَ فِي الفِتنَةِ.
[49] وَيَرَونَ قِتَالَ الفِئَةِ البَاغِيَةِ مَعَ الإِمَامِ العَدلِ، إِذَا كَانَ وَوُجِدَ عَلَى شَرطِهِم فِي ذَلِكَ.
[50] وَيَرَونَ الدَّارَ دَارَ إِسلَامٍ، لَا دَارَ كُفرٍ –كَمَا رَأَتهُ المُعتَزِلَةُ- مَا دَامَ النِّدَاءُ بِالصَّلَاةِ وَالإِقَامَةِ ظَاهِرَينِ، وَأَهلُهَا مُمَكَّنِينَ مِنهَا آمِنينَ.
[51] وَيَرَونَ أَنَّ أَحَدًا لَا تُخلَصُ لَهُ الجَنَّةُ وَإِن عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ، إِلَّا بِفَضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ التَّي يَخُصُّ بِهِمَا مَن يَشَاءُ، فَإِنَّ عَمَلَهُ للخَيرِ وَتَنَاولَهُ الطَّاعَاتِ إِنَّمَا كَانَ عَن فَضلِ الله الذَّي لَو لَم يَتَفَضَّل بِهِ عَلَيهِ لَم يَكُن لأَحَدٍ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ وَلَا عَتَبٌ.
كَمَا قَالَ الله: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) [النور:21]. (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:83]. وَقَالَ: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) [آل عمران:74].
[52] وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ U أَجَّلَ لِكُلِّ حَيٍّ مَخلُوقٍ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ، (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34]. وَإِن مَاتَ أَو قُتِلَ فَهُوَ عِندَ انتِهَاءِ أَجَلِهِ المُسَمَّى لَهُ، كَمَا قَالَ اللهُ U: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [آل عمران:154].
[53] وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَرزُقُ كُلَّ حَيٍّ مَخلُوقٍ رِزقَ الغِذَاءِ الذَّي بِهِ قِوَامُ الحَيَاةِ، وَهُوَ مَا يَضمَنُهُ اللهُ لِمَن أَبقَاهُ مِن خَلقِهِ، وَهُوَ الذَّي رَزَقَهُ مِن حَلَالٍ أو مِن حَرَامٍ، وَكَذَلِكَ رِزقُ الزِّينَةِ الفَاضِلِ عَمَّا يَحيَا بِهِ.
[54] وَيُؤمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ شَيَاطِينَ تُوَسوِسُ للآدَمِييِّنَ، وَيَختَدِعُونَهُم وَيَغُرُّونَهُم.
[55] وَأَنَّ الشَّيطَانَ يَتَخَبَطُ الإِنسَانَ.
[56] وَأَنَّ فِي الدُّنيَا سِحرًا وَسَحَرَةً، وَأَنَّ السِّحرَ واستِعمَالَهُ كُفرٌ مِن فَاعِلِهِ مُعتَقِدًا لَهُ نَافِعًا ضَارًّا بِغَيرِ إِذنِ الله.
[57] وَيَرَونَ مُجَانَبَةَ البِدعَةِ والآثَامِ، وَالفَخرِ، وَالتَّكبُّرِ، وَالعُجبِ، وَالخِيَانَةِ، وَالدَّغَلِ، وَالاغتِيَالِ وَالسِّعَايَةِ.
[58] وَيَرونَ كَفَّ الأّذَى وَتَركَ الغِيبَةِ، إِلَّا لِمَن أَظهَرَ بِدعَةً وَهَوًى يَدعُو إِلَيهِمَا، فَالقَولُ فِيهِ لَيسَ بِغِيبَةٍ عِندَهُم.
[59] وَيَرَونَ تَعَلُّمَ العِلمِ، وَطَلَبَهُ مِن مَظَانِّهِ، وَالجِدَّ فِي تَعَلُّمِ القُرآنِ وَعُلُومِهِ، وَتَفسِيرِهِ، وَسَمَاعِ سُنَنِ الرَّسُولِ r، وَجَمعِهَا وَالتَفَقُّهِ فِيهَا، وَطَلَبِ آثَارِ أَصحَابِهِ.
وَالكَفَّ عَنِ الوَقِيعَةِ فِيهِم، وَتَأَوُّلُ القَبِيحِ عَلَيهِم، وَيَكِلُونَهُم فِيمَا جَرَى بَينَهُم عَلَى التَّأوِيلِ إِلَى اللهِ U.
[60] مَعَ لُزُومِ الجَمَاعَةِ.
[61] وَالتَّعَفُّفِ فِي المَأكَلِ وَالمَشرَبِ وَالمَلبَسِ.
[62] وَالسَّعيِ فِي عَمَلِ الخَيرِ.
[63] وَالأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ وَالإِعرَاضِ عَنِ الجَاهِلِينَ، حَتَّى يُعَلِّمُوهُم، وَيُبَيِّنُوا لَهُمُ الحَقَّ، ثُمَّ الإِنكَارُ وَالعُقُوبَةُ مِن بَعدِ البَيَانِ، وَإِقَامَةِ العُذرِ بَينَهُم وَبَينَهُم.
هَذَا أَصلُ الدِّينِ وَالمَذهَبِ، وَاعتِقَادُ أَئِمَّةِ أَهلِ الحَدِيثِ، الذَّينَ لَم تَشُنهُم بِدعَةٌ، وَلَم تَلبِسهُم فِتنَةٌ، وَلَم يَخِفُّوا إِلَى مَكرُوهٍ فِي دِينٍ، فَتَمَسَّكُوا مُعتَصِمِينَ بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا عَنهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَوجَبَ مَحَبَّتَهُ وَمَغفِرَتَهُ لِمُتَّبِعِي رَسُولِهِ r فٍي كِتَابِهِ، وَجَعَلَهُمُ الفِرقَةَ النَّاجِيَةَ وَالجَمَاعَةَ المُتَّبَعَةَ.
فَقَالَ U لِمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُجِبُّ اللهَ U: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31].
نَفَعَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم بِالعِلمِ، وَعَصَمَنَا بِالتَّقوَى مِنَ الزَّيغِ وَالضَّلَالَةِ بِمَنِّهِ وَرِحمَتِهِ.



([1]) كذا جاءت في المتن؛ وكذلك في نسخة جمال عزون وقال: (هكذا عند ابن قدامة، وعند الذهبي في العلو: فإنه انتهى إليَّ).
([2]) وهذه الجملة ما أخذت على المصنف حيث أنه فصل في النفي، ويُعذر رحمه الله -بأنه كتب هذه العقيدة في زمن انتشرت فيه بدعة التجسيم والتشبيه، وإلا فإن - طريقة السلف في النفي الإجمال.
([3]) أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).
([4]) وذكر التحديد مما أخذ على المؤلف -رحمه الله-؛ لأن طريقة أهل السنة فيه التوقف والاستفصال، وقد يكون ذكر المؤلف التحديد هنا رداً لما انتشر في زمنه.
([5]) أخرجه مسلم (82).
([6]) أخرجه الطبراني في الأوسط (3348)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5521).
([7]) أخرجه أحمد (26818)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (569).
([8]) أخرجه البخاري (1369)، ومسلم (2871).