الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

متن أُصًولً السُّنَّةِ للإمام الحميدي

أُصًولً السُّنَّةِ
الإِمَام الحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبِير بنِ عِيسَى القُرشيُّ الحُمَيديُّ (220هـ)
السُّنَّةُ عِندَنَا أَن يُؤمِنَ الرَّجُلُ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ، حُلوِهِ وَمُرِّه، وَأَن يَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ
لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصِيبَهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَضَاءٌ مِنَ اللهِ .U
وَأَنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنقُصُ، وَلَا يَنفَعُ قَولٌ إِلا بِعَمَلٍ، وَلَا عَمَلٌ وَقَولٌ إِلا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَولٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلا بِسُنَّةٍ.
وَالتَّرَحُّمُ عَلَى أَصحَابِ مُحَمَّدٍ r كُلِّهِم فَإِنَّ اللهَ U قَالَ: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) [الحشر:10].
فَلَم نُؤمَر إِلا بِالاستِغفَارِ لَهُم، فَمَن سَبَّهُم أَو تَنَقَّصَهُم أَو أَحَدًا مِنهُم فَلَيسَ عَلَى السُّنَّةِ، وَلَيسَ لَهُ فِي الفَيءِ حَقٌّ.
أَخبَرَنَا بِذَلِكَ غَيرُ وَاحِدٍ عَن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَسَّمَ اللهُ تَعَالَى الفَيءَ فَقَالَ: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) [الحشر:8]. ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ). الآيَةَ. فَمَن لَم يَقُل هَذَا لَهُم فَلَيسَ مِمَّن جُعِلَ لَهُ الفَيءُ.
وَالقُرآنُ كَلَامُ اللهِ، سَمِعتُ سُفيَانَ يَقُولُ: القُرآنُ كَلَامُ اللهِ وَمَن قَالَ: مَخلُوقٌ؛ فَهُوَ مُبتَدِعٌ، لَم نَسمَع أَحَدًا يَقُولُ هَذَا.
وَسَمِعتُ سُفيَانَ يَقُولُ: الإِيمَانُ قَولٌ وَعَمَلٌ وَيَزِيدُ وَيَنقُصُ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ إِبرَاهِيمُ بنُ عُيَينَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَا تَقُل: يَنقُصُ، فَغَضِبَ وَقَالَ: اسكُت يَا صَبِيُّ، بَل حَتَّى لَا يَبقَى مِنهُ شَيءٌ.
وَالإِقرَارُ بِالرُّؤيَةِ بَعدَ المَوتِ.
وَمَا نَطَقَ بِهِ القُرآنُ وَالحَدِيثُ مِثلُ: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة:64]. وَمِثلُ: (وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر:67]. وَمَا أَشَبَهَ هَذَا مِنَ القُرآنِ وَالحَدِيثِ لَا نَزِيدُ فِيهِ، وَلَا نُفَسِّرُهُ، نَقِفُ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيهِ القُرآنُ والسُّنَّةُ، وَنَقُولُ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى). وَمَن زَعَمَ غَيرَ هَذَا فَهُوَ مُعَطِّلٌ جَهميٌّ.
وَأَلا نَقُولَ كَمَا قَالَتِ الخَوَارِجُ: مَن أَصَابَ كَبِيرَةً فَقَد كَفَرَ.
وَلَا تَكفِيرَ بِشَيءٍ مِنَ الذُّنُوبِ، إِنَّمَا الكُفرُ فِي تَركِ الخَمسِ التَّي قَالَ رَسُولُ اللهِ r: ((بُنِيَ الإِسلَامُ عَلَى خَمسٍ: شَهَادَةِ أَن لَا إِلَهَ إلَا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَومِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيتِ)).
فَأمَّا ثَلَاثٌ مِنهَا فَلَا يُنَاظَرُ تَارِكُهَا: مَن لَم يَتَشَهَّد وَلَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم؛ لأَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ شَيءٌ مِن هَذَا عَن وَقتِهِ وَلَا يُجزِئُ مَن قَضَاهُ بَعدَ تَفرِيطِهِ فِيهِ عَامِدًا عَن وَقتِهِ، فَأَمَّا الزَّكَاةُ، فَمَتَى مَا أدَّاهَا أَجزَأَت عَنهُ، وَكَانَ آثِمًا فِي الحَبسِ.
وَأَمَّا الحَجُّ؛ فَمَن وَجَبَ عَلَيهِ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إِلِيهِ، وَجَبَ عَلِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ مِنهُ بُدٌّ مَتَى أَدَّاهُ كَانَ مُؤَدِّيًا، وَلَم يَكُن آثِمًا فِي تَأَخِيرِهِ، إِذَا أَدَّاهُ كَمَا كَانَ آثِمًا فِي الزَّكَاةِ؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ لِمُسلِمِينَ مَسَاكِينَ حَبَسَهُ عَلَيهِم، فَكَانَ آثِمًا حَتَّى وَصَلَ إِلَيهِم.
وَأَمَّا الحَجُّ؛ فَكَانَ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ إِذَا أَدَّاهُ فَقَد أَدَّى، وَإِن هُوَ مَاتَ وَهُوَ وَاجِدٌ مُستَطِيعٌ وَلَم يَحُجَّ سَأَلَ الرَّجعَةَ إِلَى الدُّنيَا أَن يَحُجَّ، وَيَجِبُ لأَهلِهِ أَن يَحُجُّوا عَنهُ، وَنَرجُو أَن يَكُونَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا عَنهُ، كَمَا لَو كَانَ عَلَيهِ دَينٌ فَقُضِيَ عَنهُ بَعدَ مَوتِهِ.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق